لم يكن الأتراك بحارة حتى أن غزوا ساحل بحر إيجة في الأناضول لقرون، وكان ساحل البحر إيجة معروفا في البحر الابيض المتوسط باسم "بحيرة تركيا". وبعد سنوات من الحكم البيزنطي هُزم سميرنا (اليوم إزمير) على يد القائد السلجوقي ساتشاز آغا تشاكاباي مع جيش صغير بمحاربي أغوز وأسس مقاطعة مستقلة في المناطق الايجية. لأن هذه المقاطعة كانت تقع على حدود القسطنطينية، وأسس جيشًا من أربعين سفينة وغزا جزيرة ليبوس القريب لسميرنا. وفي عام 1090 هاجم الجيش البيزنطي البحري جيش تشاكاباي ولكن هزمهم الأتراك. وهذا هو الانتصار الاول البحري التركي في التاريخ.
وفي عهد السلجوقيين لم يتمكنوا من أن يصبحوا قوة سياسية دائمة بسبب الاحتلال والتدخل البيزنطي والمنغولي والانتصارات والهزائم السياسية، والأتراك العثمانية هم أصبحوا أقوى قوة بحرية في البحار السبعة وبنوا سفنًا في البحر الأبيض المتوسط على مر العصور وكر الاجيال وهم اشتهروا باسم الدولة البحرية أولا في التاريخ. وعملوا بشكل جيد لا مثيل له في البحر الأبيض المتوسط من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر المعروف "بعصر القراصنة" وكانوا قادرين على تحدي القراصنة إخضاعهم وتهديد الظالمين والبحارة في البحر الأبيض المتوسط وشرق المحيط الأطلسي، وكان العديد من هؤلاء القراصنة مرتبطين بالأتراك العثمانيين والأوروبيين. في جانب آخر، شن العمانيون والأوروبيون حروبًا بحرية "تمثيلية" لقرون باستخدام القراصنة. كان خير الدين بربروس أقوى حاكم محيطي لإمبراطورية العثمانية في تاريخ البحر الأبيض المتوسط منذ أن أصبح حاكماً للجزائر.
حياته :
كان والده يعقوب جنديًا مسلمًا (جنديًا متعاقدًا) ألباني الاصل، وقد شارك في احتلال الجيش العثماني بلبوس. وكانت أمة امرأة يونانية من لبوس، وكان خضر الابن الثالث من بين أربعة أبناء، ومن الجدير بالإشارة هنا إلى أن البحارة في تركيا ومعظمهم يعيشون في منطقة البحر الأسود، وكانوا دائمًا يحبون أن يسموا أبنائهم بأسماء خضر وإخوته (إسحاق، عروج، إلياس)، وكان خير الدين بربروس وإخوته من القراصنة المشهورة.
وكان أبوهم يعقوب في أوائل الازمنة ممن يقود القوارب لبيع البضائع داخل الجزيرة وخارجها، ومن هذه مسيرات أمكن خضر وإخوته تسهيل السير البحري في السفينة حتى أنهم صاروا أكثر شغفا في السفر البحري وتكنّوا ببربروس لانهم كانوا ذوي اللحية الحمراء، وعملوا وسافروا في مختلف أنحاء البحر الابيض المتوسط.
قرصان البحر :
وقد وصفه المؤرخون الشرقيون بأنه "قرصان" ومدمن الخمر والنساء بسبب فراره من المسالخ المسيحية في إسبانيا ومساعدة اللاجئين المسلمين على الفرار إلى إفريقيا بسفينته، وأطلق عليه زعيم قطاع الطرق بربروس ب "عروج". ويقول المؤرخون أيضًا إن المسيحيين يلقبونه بـ "بابا عروج" ويقال أيضا أنه لقب ب"بربروس" نسبة إلى بابا عروج.
في ٧١١ الميلادي بعد فتح إسبانيا بدأت القوات البرتغالية والإسبانية في غزو المدن الساحلية المسلمة في شمال إفريقيا، دفع هذه الاحتلالات العثمانيين وإمارة الافريقية الشمالية الانتقام. ومن أجل هذه الانتقام كلف بازيد الثاني ابنه شاه زاداي كركود و خير الدين بربروس لاعتراض السفن الاسبانية ومنعها. رغم كل هذا قتله الملك سليم بعد أن تولى في عام 1512، ولذلك هرب بربروس عائداً إلى شمال إفريقيا وتعاونوا مع الإمارات المحلية وقاتلوا بقوة ضد إسبانيا.
وهاجم بربروس وإخوته الجزائر عام 1516 واستولها من الحكومة الإسبانية. خلال هذا الوقت تقدم العثمانيون بمعاهدة جديدة مع القرصان بربروس وإخوته، وهكذا، انتخبت الإمبراطورية العثمانية شقيق بربروس عروج بصفته باي (حاكمًا مفوضًا) للجزائر، وبربروسا حاكمًا رئيسيًا للبحر في غرب المحيط الأبيض المتوسط، وهذا جعله أقوى سيد بحري في القرن السادس عشر.
قائد الجيش البحري :
لسوء الحظ فقد بربروس شقيقه عروج في حرب ضد اسبانيا، وهو أيضا يعرف باسم تورغوت. واختصر اسم بربروس إلى أخيه خضر المشهور بخير الدين بربروس في التاريخ، وأصبح بربروس حاكما لكافة الجزائر ولكن بعد عامين توفي الملك سليم وتولى ابنه الوحيد سليمان العظيم، واستغل هذه الفرصة ووعد بربروس للسلطان الشاب باستخدام سفنه في حرب العثمانية ضد اسبانيا. ولكن بالنسبة لبربروس كانت هذه خطوة سياسية لأن بربروس أصبح القوة البحرية المعترف بها للعثمانية ، وهزموا الجيش الإسباني بالقراصنة واستولى منصب القائد العثماني (قائد البحرية).
حطم بربروس جميع التهديدات الرئيسية في نعومة أظفارها وانتشرت شهرة بربروس في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وساعده القراصنة المشهورة سنان جود وعلي كرمان ومدوا أيديهم إليه بالمساعدة ولذا تمكن له لارتفاع مكانته في السياسة والبحر الأبيض المتوسط.
وعندما استولى الأدميرال أندريا دوريا من تشارلز الخامس (الإمبراطورية الرومانية) على يونان العماني استجاب بربروس لطلب السلطان سليمان، وقدم له السلطان كؤوسا ذهبية وفضية وأكواب ذهبية ومائة عبيد كهدية، وتجهز بربروس أسطولًا بأكثر من مائة سفينة تحت قيادته وتمكن له أن يكون البحر الأبيض المتوسط تحت سيطرته.
انتقام بربروس :
كانت انتصارات بربروسا رائعة ومدهشة، أن تشارلز الخامس أرسل ذات مرة جيشًا كبيرًا إلى البحر الأبيض المتوسط لفتحه بعد أسبوع من الحصار واحتلوا تونس، ولكن بربروس لما عاد إلى الجزائر أشعلت واحترقت بنار الانتقام. فعاد إلى غرب إفريقيا عندما وصل إلى جزيرة مينوركا الإسبانية، رفعت في سفنه علم العثمانيين، وبعد الحصار والدفاع الشديد استسلم الجيش الروماني لبربروس، ووعد بإنقاذ حياتهم وممتلكاتهم بالصلح.
بطل مسلم :
عقد خير الدين بربروس معاهدات السلام مع موانئ إيطاليا ومرسى وتولوني في فرنسا، وقد لقي ترحيبا حارا من قبل الجميع حيث شكل تحالفا بين فرنسا وإمبراطورية العثمانية.
وبعد فراغ بربروس عام 1545 استقر في اسطنبول وتوفي في 4 يوليو 1546. تم دفنه في مقبرة بربروسية في اسطنبول، وشيد قبره المهندس العماني الشهير معمار سنان. وذكرياته لا تزال كامنة في اسطنبول، يقع قبره في منطقة بيشكتاش على الساحل الأوروبي لمضيق البوسفور. وجميع الترك يهنئون خير الدين بربروس منحة لخدماته وجهوده للامة الإسلامية.
المصادر والمراجع :
- الجزيرة العربية
- اسلام اونلايو الملايالمي
بقلم : زبير بن عبد العزيز
باحث قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة دار الهدى الإسلامية، الهند
إرسال تعليق