الدراسة الإنترنتية بين الأمل والخوف

محمد شماس

باحث في أكاديمية الإمام أبي بكر بن سالم


من حقوق المواطن الهندي، التي يعدها دستور الهند أساسية له، التربية المجانية الإلزامية في حياته، وبعد استقلال الهند نفذت عدة مشارع تستهدف نمو مجال التعليم والتربية، ورفع معدل محو الأمية مما كانت ١٧٪ عام الاستقلال، وبعدما دخلت جل هذه المشارع العملاقة حيز التنفيذ، شهدت الهند في مجتعمها نهضة فائقة، ويكشف الدراسات الفاحصة المعاصرة أن الهند ارتفع معدلها لمحو الأمية إلى ٧٠٪ (على ما أفاد إحصاء ٢٠١١).

والآن أريد الالتفات إلى بلدنا كيرالا، التي تعد ولاية في الطليعة في مجال التعليم والتربية، بإنجازات سامية خلال الفترة الماضية، لكن رغم هذه التطورات الملحوظة والإنجازات الفائقة نسمع في الأيام الراهنة، بعض الأخبار التي تكون عارا على هذا الوجه الطليق لكيرالا، لا سيما بعدما بدأت الدراسة في الإنترنت فضلا عن الدراسة في المدرسة، في ظل الإغلاق التام بسبب الجائحة كورونا، هذه المقالة محاولة لتسليط الضوء على الآمال والمخاوف خيال الدراسة الإنترينتية .

لا يخفى على أحد أن هناك فوائد كثيرة في الدراسة الإنترنتية، لا نجدها عند التعلم في المدرسة، وفرصا جديدة انفتحت بقدوم الدراسة الإنترنتية، والانترنت بات جزءا أساسيا في حياتنا اليومية، لولا هذه التقدمات في التكنولوجيا لما توفرت لنا الدراسة في هذه الفترة، التي أغلقت فيها جميع أنشطة المجتمع دون استثناء، وكنا سنتعطل عنها إلى مدة طويلة يفوتنا بها ما اكتسبنا في طول عمرنا، الزمن لا ينتظرنا في مداره، فنسلخ من عمرنا أعواما لا عائد فيها علينا، وكذا قبض الإنفاق الباهظ على التعليم والتعلم، من شراء الادوات وكلفة الانتقال، ورواتب عمال المدارس.

بالنسبة إلى جو الدرس يمكن الطالب من التركيز حيث يجلس وحده في البيت في هدوء تام دون ضجيج كما هو الحال المدرسة..

والمكتبة الإنترنتية تقدم سانحة للبحث العميق الواسع، والاطلاع في أغوار الموضوع، أي شيء يريده فهو في طرف أنملته، وتوفر الدروس مسجلة في المواقع حظ نادر وتسهيل مغتنم لطالب مجتهد، لتكرار الاستماع الى محاضرات المعلمين من أجل ترسيخ العلوم ومزيد الاستفادة، والمواضيع العلمية من علم الأحياء والكيمياء والفيزياء وغيرها، يمهد فيها للطالب مشاهدة الاختبارات العلمية في الشاشة، وترتسم صورتها الحقيقية في فهمه. في غالب الأحيان لا يتوفر هذه المرافق العلمية في كل المدارس.

ومن جهة أخرى حين تصفح تطبيقيتها في المجتمع وأثرها ورواجها لدى الطلاب، نجد أن الدراسة الإنترينتية فيها أزمات عويصة ونتائج غير محمودة، وأن التحول إلى أسلوب ذكي، إن طبق في كل المجالات، لا يتيسر في التربية والتعليم بيسر. إن أكثر الفوائد ينحصر مضربها في الطلاب الكبار، الذين يمكنهم التميز بين كلا الأسلوبين، 

ومن أعظم ما يعاني منه الناس في الدراسة الإنترنتية، مشاكل في توفير المرافق الأساسية الضرورية، لا سيما في ضواحي البلاد وأحيائها، من إيجاد الشبكة أو اتصالها، أو جهاز لائق يستخدمه، أو عدم الكفاية بعدد الأجهزة المتوفرة، وأجلى مثال وأوضح صورة لها أن ماتت طالبة كانت تسمى'ديوكة' في أوائل السنة الدراسية الماضية، فهنا يصبح فئة قليلة من المجتمع تحت الهامش.

ومن الأجزاء التي لا يستهان بها في التعليم الرسمي، والدواعي لارتفاع قيمة العلوم، والأمور التي تساهم في تكوين المجتمع، التواصل العياني بالمعلمين والمجاوبة الحالية معهم، التربية والإرشادات والمباركات والدعم منهم، والعلوم والأفكار التي يستنبطها بالتدريبات ويكتسبها بالتجربة، والآراء التي يدرس بمعاملة المجتمع والأصدقاء، والنقاش البحثي بين الطلاب مع الجهد الفردي، وتلك كلها تبقى فجوات لا تسد في الدراسة الإنترنتية، فينطبق على الطالب كل ما حوله ويصبح متجردا بشؤونه لاغيرها، ذلك خط أحمر لانحطاط المجتمع.

وكذا عندما يستمع طالب إلى دروسه من البيت، يفوّت تركيزه من جوانبه الأربع، عدة أشياء تشغله عنها، من الإشعارات في الجوال، ووجود أفراد الأسرة في قربه، والفيديوهات المقترحة، والهوايات الأخرى كاللعب والطعام، فتعوقه هؤلاء الأشياء دون بذل المجهودات كما ينبغي، والإعلانات التي تنجلي في الشاشة، وهي رائجة في الإنترنت بحسب التجارة للشركات، والتي تجذب الطلاب وتمتلك نواصي قلوبهم، تفضي بهم إلى أمور لا تليق بهم بل تضرهم ضرا كبيرا، وهي تلعب في تكوين أخلاق الطلاب دورا بارزا، وفي جعلهم على قيد الإدمان، كما أعلنت الخلية السيبرانية على أن استخدام الانترنت من قبل الطلاب، وبحثهم المواقع ومشاهدتها، قد تزايد إلى حد كبير، وهو يسفر عن كثرة جرائم الأطفال، ذلك ينجب جيلا أسوأ، أو يهدد مستقبل المجتمع المأمون. 

وعصارة الكلام أن فيها تحديات كثيرة وتيسيرات عديدة، ربما تغلب التحديات على التيسيرات، فلا بد من إجاد الحلول المرضية، والدراسات الفاحصة الدقيقة، والإقبال من السلطات على تطبيقها على شكل مستوفي المآرب بين الناس.. 

Post a Comment

أحدث أقدم