شبلي جوهر محمد
الباحث في جامعة مدينة النور بونور
والاجتهاد والتجَاهُد بمعنى واحد، وهو بذلُ الوسعِ والمجهود. قد استفتح علمَاءُ الأصول تعريفاتِهم بألفاظِ (بذل الطاقة) وبذل المَجهُود، وبذل الوسع، واستفراغِ الوسع واستفراغ الوسع أو المجهود، ولا تخرج تعريفاتهم عمَّا جاء في لغة العرب.
أمَّا تعريفُ الاجتهادِ عند الفقهاء: كما جاء في تعريف حُجَّةِ الإسلام أبي حامد الغزاليِّ الفقيهِ الأصوليِّ المُتكلم: «هو بذلُ المُجتَهِدِ وسْعَهُ في طلبِ العِلْمِ بأحْكامِ الشَّرِيعَةِ»، وبذلك يكون الاجتهادُ بمفهومه العلميِّ الخاصِّ يكون مقتصرًا على بَيانِ الأحْكَامِ الشرعيَّة في المسائل الاجتهاديَّة من العلماء المجتهدين في الإسلامِ لبَيَانِ الأحْكَامِ الشرعية فيها بأدلتِها الشرعيَّة.لقد اتفق العلماء الراسخون والمفكرون البارعون والدعاة الإسلاميون على أن الرسول- صلي االله عليه وسلم- فتح باب الاجتهاد بأحاديثه الكثيرة المشهورة.
حدد الفقهاء والأصوليون مجال الاجتهاد وهو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي الثبوت، فخرج به مالا مجال للاجتهاد فيه مما اتفقت الأمة عليه من ظواهر وجليات الشرع كوجوب الصلوات الخمس والزكاة والصيام وتحريم الخمر والربا والزنا والسرقة إلى غير ذلك مما ورد فيه دليل صريح واضح لايقبل الجدل. وقد حدد الغزالي هذا الضابط في كتابه المستصفى فالأحكام الشرعية بالنسبة للاجتهاد نوعان:
ما يجوز الاجتهاد فيه.
ومالا يجوز الاجتهاد فيه.
والخلاصة في ذلك: أن مجال الاجتهاد أمران: ما لا نص فيه أصلاً أو ما فيه نص غير قطعي. ولا يجري الاجتهاد في القطعيات ولا فيما يجب فيه الاعتقاد الجازم من أصول الدين إذ لامساغ للاجتهاد في مورد النص. وهذا الأصل جارٍ في القوانيين الوضعية فمتى كان القانون صريحاً لا اجتهاد فيه ولو كان مغايراً لروح العدل. والقضاة مكلفون بتنفيذ أحكامه حسبما وردت لأن تفسير يرجع إلى الواضع للقانون ولا مساغ للاجتهاد في موضع النص.
ويكون الاجتهاد ممن تتوفر فيه شروط الاجتهاد، للبحث والنظر والاستدلال، واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وهو إما؛ اجتهاد مطلق كاجتهاد الأئمة الأربعة،كالامام الشافعي والحنبلي والملكي والحنفي. وإما؛ اجتهاد مقيد كاجتهاد أصحاب الأئمة الأربعة، الذين نقلوا محتوى المذهب وبحثوا وحققوا فيه، وهذا النوع من الاجتهاد للمتخصص الذي له معرفة واسعة بمقاصد الشريعة، وفهم مداركها، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية، أما الاجتهاد الذي ليس من قبيل التخصص العلمي؛ فلا يشترط فيه كل هذه الشروط.
إن الشريعة الإسلامية ألقت مسؤولية الاجتهاد على عاتق العلماء الراسخين في العلوم الشرعية والفقهاء البارعين والماهرين لحل القضايا المعاصرة والمسائل الفقهية العصرية بالعدل والإنصاف والدقة والأمانة تحت شروط هامة، فلا يستطيع أحد من عامة الناس وخاصتهم أن يجتهد في المسألة الفقهية والشريعة الربانية إلا من يوجد لديه الشروط الفقهية التي قيدها الفقهاء والعلماء الذين يخافون الله في أي أمر من الأمور وفي أي شأن من الشؤون مع الخبرة والمهارة
والبراعة والأمانة. ولذا وفي هذه العصر الحديث قد اغلقت ابواب الاجتهاد بعدم وجود الأشخاص التي من تتوفر فيه شروط الاجتهاد ،للبحث والنظر والاستدلال،واستنباط الاحكام الشرعية من الادلة.
هناك قد فتحت ابواب التقليد ,هو العمل مطابقاً لفتوى الفقيه الجامع للشرائط وإن لم تستند اليها حين العمل، فتفعل ما انتهى رأيه الى فعله، وتترك ما انتهى رأيه الى تركه، من دون تمحيص منك. يجب على المكلف الذي ليست له القدرة على استنباط واستخراج الأحكام الشرعية أن يقلّد المجتهد الأعلم القادر على ذلك، فعمل مكلف كهذا من غير تقليد ولا احتياط، باطل.بعضهم يزعمون أنه لم يغلق باب الاجتهاد . ولكن هذا القول ليس له أصل عندما تقيسها بمعيار الاصول.
إرسال تعليق