أيام الماعز : قراءة في الرواية المليالمية "آدوجيفتام" للكاتب بنيامين

 


جنيد بن حمزة

مقدمة :

في المجتمع لا نجد أحدا يتنعم حياته كاملا بدون أية معضلة بل كل أحد قد قابل أو سيقابل مشكلة ما في عمره,ها هو هنا نصف لديكم حياة ماعزية لشخصان تعرضا مهنة قنية تحت الأرابابان ,هي ليست بقصة خيالية بل تعدها من صورة الحياة الحقيقية. وكان الجدير بالكلام انها احدى من الابداعات النادرة بللغة المليالمية، الكاشفة النقاب عن صعوبات حياتهما في الصحراء نصا وفصا، مادة تنبعث من رمال الصحراء المرداء.. مؤلفها : بنيامين  من ولادة 1971م بقرية "نتور".                                                       أبرز الشخصيات في الرواية : نجيب وهو بطل الرواية/ شاب كيرلاوي، عبد الحكيم : رفيقه في السفر , أربابان: موكلان بالمزرعة لهما , ابراهيم القاري الأفريقي: عامل لحق مؤخرا بمزرعة حكيم..(هؤلاء هم الشخصيات البارزة في الرواية وهناك شخصيات ذات دور قليل ,ههنا لا يطلع عليهم) 

[كلمة "آدوجيفتام" مصطلح باللغة المليالمية/ بمعنى "أيام الماعز" باللغة العربية]


أيام مع الأغنام:

وكان نجيب ناشطا في عمله اليومية من استخراج الرمال من النهر وكان من ابرز احلامه منذ الصغار هو أن يصبح  "خليجيا"، نتيجة من اهتمامه البالغ يحصل على التأشيرة من صديقه عن طريق النسيب فوجده أن شخصا (اسمه عبد الحكيم) قد حصل على التأشيرة للعمل في نفس شركته أيضا. وتعرف عليه وناقش معه عن  السفر، بالنسبة لهما كان السفر لخارج البلد تجربة أولى, وأخيرا استعد على شد الرحال  للحياة الجديدة الخليجية ومما يثلج صدره المرافقة معه عبد الحكيم أيضا ,بعدما نزلا بمطار خليجي وانتظرا الأرباب الذي وعد بعملهما على صاحب  التأشيرة ولكن بسوء الحظّ لقيهما عربي كريه الرائحة فوق حد التعبير (الذي يدعى بالأرباب في الرواية) وطلب منهما التاشيرة واخذهما الى مزارع الأغنام وسط الصحراء وتسلم النجيب الى أرباب آخر وحمله الى مزرعة قريبة. وكانت الأرض تمرض طلال آماله ورجائه كما يقول في نفسه "كأنها جهنم في الدنيا" الآن قد تغير كل نظام حياته من القرية بيوم واحد مع تلك الاغنام والارباب وكانت تتضمن قائمة الطعام اليومي بما يلي :نفس الكبوس والماء للفطور والغذاء وللعشاء واستمرت الأعمال على قدم وساق ولم يجده وقتا فراغا للاستراحة الا للنوم والأغنام كانت تقض مضجعه بالليل ميد انه بمرور الأيام كان يتأقلم مع كلها, علاوة على كل ذلك أن التمهل والامهال في الأعمال الموكّل إليه الأرباب أداه الى ضربات مبرحة والى شتائم شديدة من الأرباب.

                  

وبالخلاصة أن الأرباب ألقى القبض عليه حرفيا ولم يتم اعطاءه أي اعتبار بشري بل رآه كشيء آخر فوق كل هذا، وهو يمشي ويجلس ويرتاح ويستلقي بين أبوال وأوراث تلك الأغنام حتى انه سيتناول ما تخلفه من التبن والماء والحشيش وهلم جرا.. ويرتدي قميص أربابه المختلطة بالأوساخ والأقذار والروائح الكريهة والمنتن حتى يشعر ان الأغنام ربما تكون انظف مني في الوقع.. الحقيقة الآن انه يقضى حياة صعبة كالجهنّم وان شكله وعادته ونظامه اليومية قد تسببت الى وصفه انه احد من تلك الأغنام في مزرعته، ولكنه لم يحزن ولم ييأس بما يعمل عليه أربابه بل واصل حياته الى الأمام منتظرا الجزاء من الله بما يصبر . وكان هناك عامل آخر ماهر في الأعمال معه المدعو ب "شبح هريب" لأجل صورة بدنه الموسخوة والمنتنة، الذي سبقه في العمل وكان يمارس له حلب العنزة وغيره ,وبينما يواصل حياته الصحراء وفي اليوم صباحا غاب عنه وانقطع خبره حتى أدهشه بأنه قد قتل وتوارى عليه التراب في الصحراء ولكنه لم يجد أية معلومة عن وفاته، وكان قتله يأثر في أيامه المقبلة مع الأرباب خوفا وذرعا في المزرعة.                                       

               

بعد فراق دام حوالي سنة ألح نجيب على ايجاد طريق لرؤية رفيقه عبد الحكيم يوما ممطرا خلال نوم أربابه  وهو يعمل في المزرعة القريبة على غرار كذا وأن أربابه أشدّ قسوة من أربابه  ,عندما رآه نجيب  تعجب عنه وصعب عليه لفهمه وتميزه ولم يدركه الا بعد طويل, وبالأعمال المتراكمة في المزرعة قد تغيرت أشكاله البدنية لهيئة مشوهة مما قبل  كأنما أصبح هو شبح هريب آخر وكان والده كثير المال ومالك عدة الشركات في" دبي " وفي الواقع لا يحتاج اليه هذا العمل في هذه الصحراء المرداء وبسوء الحظ ليواجه التجارب مثل رفيقه نجيب .


 مهربة من المزرعة:

ها هو يوم الخلاص والنجاة، يوم ينتهى فيه الصعوبات والمشكلات، وفيه يستعاد الحياة والاستقلال .. تصادف اليوم ذكرى زفاف بنت أحد الأرباب.. بعد التخطيط المضبوط بينهم اتفقا على مغادرة هذه الحياة الماعزية مع ابراهيم القادري الأفريقي على آخر سهم في جبعتهم. وهو يعرف على الطرائق المختصرة للمدينة جيدا وتملك معه خبرات عظيمة، كأنما ألقى الله أمامهم منجيا من تلك الحياة الجهنمية، فعندما توجه الأربابان الى الزفاف دعاهما الى الهروب والفرار واتبعا عليه وكان ابراهيم القادري واثقا أمينا عن مهمته على تخليصهما. بالنسبة لهما كانت المشي عسيرة جدا ويشعران بالظمأ والجوع المتوقد في الطريق ولم يتمكنهما بموافقة في سيره مثلما يسرع لحظة،  كأنما هم يصل بين الشيطان والقلعة الحمراء  ولم يتوصلوا إلى ما يغيب من عيون مهجر الأرباب وأنه سيعود في الصباح ويفتش ويبحث عنهم في المزرعة، وهذا وقت خروج الثعابين السامة والزواحف الأخرى والصحراء تمر بمنتصف اليل ويلفتون أنظارهم حولهم لا يوجد شيئا حتى من النبات الصغيرة.. وأن إبراهيم القادري لا يزال يقوم بالتحفيز والتحريض عليهم  بما يعقب بصبرها من الخلاص والنجاة ويخبرهم  بان مقصدنا يبعد عنا بالأميال وينذرهم على أنكم اذا ما تقومان على الحال لا تآتي أكله قطعا.. لكنهم لم يستطع بأخذ ما يقول بل أنهما يرهقان ويخران في الرمال.. و أن صديقه عبد الحكيم كان  يأكل الرمال ويتيقأ عليها مرارا حتى لقي مصرعه من شدة جوعه في الصحراء ودفن فيها..


وفي اليوم التالي واصل رحلته بنصف حياته على شدة حرصه بالخلاص فاستلقا على مقربتهما مكانا مخضرّا ذات بحيرة وثمار وبلغ الى ميداء السرور والبهجة  فتناول وشرب حتى يستعد ساعه وظهره، فللأسف الشديد بعدما استراح فيه قليلا غاب عنه الابراهيم القادري، وخاف عن نفسه بأنه فريد هنا لا أحد من المساعد والمعين,وا أسفاه... بعد بحث العميق شعرت بأنه قد أصبح نسيا منسيا من تلك الصحراء، الآن نجيب  يشعر بالوحيد حقا لا يعرف الى أين يذهب ويقصد ؟؟؟ وفي بارقة أمله انتقل نحو تلة ترفع من ورائها أصوات المراكب والشواحن الكبيرة ، ولما توجه نحوها رآى أنه قد وصل الى الشارع وحمدل على الله المنان...بكل رجاء أشار يده أمام السيارات المقدمة نحوه، كلهم لا يستعدون ان يضغط فرملتهم لما رأوا ما يزعجهم من قميصه المتسخة وأشعاره مضفرة ولحاه الكثيفة، ولحسن الحظ أوقفت سيارت غالي السعر عنده وفيها رجل شديد البياض لابس الثوب الأبيض النقي الطاهر، وطلبه الركوب معه وآتاه الماء حيثما يكتفي ويروي حتى وصلت السيارة الى المدينة ونزل , لكن ليس لديه أن يستبدله الا البكاء والعواء الفقط.ولا يرعى ولا يعتبر له الناس في المدينة وعلى حين غرة وجده مطعما لمسن الهندي اسمه "كنجيك" وأخبره بكل ما حدث في حياته الصحروية حتى الحين وشارك المسن في حزنه أيضا وكان يحاول باثلاج صدره من الحزن، فجاء هناك شخص آخر اسمه "نجيب" عمل في الصحراء وهرب منها كمثله. فتوجها معا الى محطة الشرطة لتصحيح الأمور الرحلية للوطن حتى حصل التذكرة ورجع الى وطنه بعد الزمان الطويل.

Post a Comment

أحدث أقدم